البحث عن الكنوز

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وبعد

فقد كثر في هذه الأيام الأخيرة الحديث عن الكنوز المدفونة في الأرض وكيفية إخراجها وكذلك كثيرا ما نسمع أن فلانا وجد كنزا وانتقل من حالة فقر مرهق إلى غنى مريح وقليلا ما يتكلم أحدا في مشروعية هذا العمل باعتبار أن البيت بيته أو الأرض أرضه فله أن يفعل فيها ما يشاء ما دامت الغاية إخراج كنز من تحت الأرض وهذا شيء مسموح به شرعا.
فأقول وبالله التوفيق قبل أن نخوض في موضوع الكنوز هذا علينا أن نضع نقاطا على حروفها:
أولا : شأن كل مسلم أن يجعل لحياته منهجا عاما "اتخاذ الأسباب المشروعة لبلوغ المقاصد المشروعة"
فمن هنا تتجلى لنا المساحة الحيوية الخاصة بالمسلم والتي لا تتجاوز الربع من المساحة الحيوية العامة لسائر البشرية فلتبسيط المفاهيم نعدد الاحتمالات الأربعة المتعلقة بالأسباب والمقاصد:
أولا : اتخاذ الأسباب الغير مشروعة لبلوغ المقاصد الغير مشروعة مثل سرقة المال لشراء وشرب الخمر فالسرقة عمل غير مشروع وكذلك شراء وشرب الخمر عمل غير مشروع فهذه ليست من خاصيات المسلم الحق.
ثانيا : اتخاذ الأسباب الغير مشروعة لبلوغ المقاصد المشروعة مثل سرقة المال لشراء سيارة فإن كان المقصد هو شراء سيارة وهو شيء مشروع فالسرقة غير مشروعة فيصبح كل العمل غير مشروع وهذه كذلك ليست من خاصيات المسلم الحق.
ثالثا : اتخاذ الأسباب المشروعة لبلوغ المقاصد الغير مشروعة مثل قيام الليل والدعاء فهذا عمل صالح مشروع ولكن إن كان ذلك للدعاء على جار له حتى يفلس فيبيعه دكانه فهذا في مجمله عمل غير صالح وليس من خاصيات المسلم الحق.
رابعا : اتخاذ الأسباب المشروعة لبلوغ المقاصد المشروعة مثل العمل لتوفير المال والإنفاق على الأهل والأبناء فليس للمسلم الحق إلا هذا الربع الذي تحدثنا عليه آنفا .
ومن هنا نبدأ الحديث عن الكنوز
فأول سؤال يطرح نفسه هو هل يمكن أن تكون هناك كنوز تحت الأرض؟
بالطبع نعم، فقد أودع الله في الأرض كنوزا كثيرة، أنظر إلى مناجم الذهب والفضة والنحاس وشتى المعادن فهذا مما أودعه الله بحكمته البالغة في جوف الأرض وهناك من الكنوز المتفاوتة القيم التي أودعها الناس تحت الأرض أو في الحيطان أو تحت الجدر أو غير ذلك كقصة الكنز التي جاءت في سورة الكهف "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا"
ومن المنطقي أن تكون للناس أماكن سرية يخبئون فيها نقودهم وممتلكاتهم الثمينة لكي لا تكون عرضة للتلف أو السرقة، فلما كان المكان الأضمن هو البيت باعتبار أنها لم تكن هناك بنوك والمكان الأضمن في البيت هي بيت النوم والمكان الأضمن في بيت النوم هو تحت الفراش والمكان الأضمن تحت الفراش هو تحت الأرض.
ولما نشبت الحروب والغزوات هاجرت الناس الأماكن التي كانت تعيش فيها ناجية بأرواحها وتاركة الغالي والثمين في أماكن تحت الأرض عساهم يرجعوا إليها هم وإلا أبناءهم في يوم ما فيستخرجوا كنوزهم التي كانوا قد دفنوها في الأرض بأيديهم، وكثير منهم لم يتمكنوا من ذلك بسبب الموت أو استحالة الرجوع أو كذلك ضياع العلامة التي كانوا يعرفون به المكان بدقة أو لأسباب أخرى لا يعلمها إلا الله.
ومن ثم وجد النوع الآخر من الكنوز في الأرض.
وقد تكون هناك أنواع أخرى الله أعلم بها.
وأما السؤال الثاني الذي يطرح نفسه هو كيف علمنا أن هناك كنز ما في مكان ما؟
وهذا المحور الأول الذي لا بد لنا أن ندقق فيه حتى نضمن سلامتنا دينا ودنيا
فهناك من قال جاءني شخص بورقة رسم فيها ما يفيد أن منزلي هذا هو المعنى بوجود الكنز.
فقبل أن نرتمي على الفرصة التي نتوهم أنها ستضيع لو لم نسرع في استغلالها، لا بد لنا أن نذكر قول الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا إن حاءكم فاسق بنبإ فتبينوا......" فمن الأوكد أن نبحث في شأن من جاءنا بالخبر وكذلك من جاءه به قبل أن ننظر في الخبر نفسه، ولعل حكمة المولى عز وجل في تقديم كلمة فاسق على كلمة نبإ تؤكد لنا ذلك. فلو كانت العبارة "إن حاءكم نبأ من فاسق" رغم أن المعنى لا يكاد يختلف لكان الأوكد أن نبحث في شأن النبإ قبل البحث في شأن الشخص والله أعلم.
وقد بلغني شخصيا من أحد المتتبعين لهذه الأحداث قبل توبته أن سحرة العالم يلتقون مرة كل سنة ويتقدمون بقرابين للشياطين ويمضون ليلة كاملة في أداء طقوس تعبدية لهم وفي صبيحة تلك الليلة يجدون أوراقا عليها خرائط تنص على مواقع الكنوز في الأرض فيتقاسمونها كل حسب منطقته من الأرض فيبيعونها لمن يرغب فيها بأثمان باهظة أو يستغلونها لأنفسهم إن أمكن لهم ذلك
فهذه الأوراق تصنف (شيطانية) وتعتبر من الأسباب الغير مشروعة وإن كانت لبلوغ مقاصد مشروعة كاستخراج كنزا من الأرض ومن سعى في هذا التوجه لقي مشاكل كثيرة ومتنوعة حتى وإن حصل على الكنز المزعوم ذلك أنه شارك الشياطين في استخراج الكنز فلا بد أن يكون للشياطين حظ ونصيب فيها فلا يتركوه يتمتع بها كما يريد وخاصة إن كان ذلك في صلاح معروف.
وهناك من قال تواترت الأخبار من جميع أفراد عائلتي عن آبائهم عن أجدادهم أن المكان الفلاني في بتنا تحته كنزولنا ورقة تركها جدي تؤكد ذلك ،فهذا من الأرجح أن يكون خبرا صحيحا ولكن السؤال الذي يطرح هنا هل حاول أحد الوصول إليه ؟ وما كانت الطريقة إلى ذلك ؟
فمن المعلوم أن لا سلطة للجن على الإنس إلا إذا استنجدنا بهم في شؤون حياتنا "وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا" وكذلك قول الله عز وجل "إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" فلما تقع الاستعانة بأحد العرافين باعتباره الأدرى بهذه الأمور فيستعين هو بدوره بشياطين من الجن فتغتنم تلكم الشياطين الفرصة وتؤذي كل من حاول الإقتراب والنيل من هذا الكنز إلا رهن طاعتهم وتلبية رغباتهم التي يمررونها عبر هذا العراف الذي أصبح في قبضتهم وقد يزينون له فكرة التحيل عليهم وسرقة هذا الكنز منهم، وكم هم الواقعون في هذا الفخ.
وقد يتحيل عليهم العراف بطريقة أخرى وهذا كذلك من تزيين الشياطين له ،فيطلب منهم إحضار بعض المستلزمات مدعيا أنها ضرورية لإخراج الكنز،من ذلك (الزئبقي الأحمر واللبان الذكر وماء الكنوز والسعسطور الهندي.......) وتسميات أخرى لم ترد أبدا على مسامعهم من قبل ثم يترك لهم فرصة البحث عن تلك المستلزمات وهو يعلم جيدا أنهم لا يستطيعون الإتيان بها لأن جلها من قبيل خياله ثم يطلبون منه تلقائيا أن يعطوه المال اللازم لإحضار كل هذا والذي يوهمهم عادة أنه من بلاد أخرى فيكون المبلغ في حدود العشرة آلاف دولار أو أكثر بقليل ثم يأخذهم ويتبخر معهم إلى يوم يبعثون.
وهناك من يقول رأيت في منامي شيخا جاءني وقال لي كذا وكذا مما يفيد أن في المكان الفلاني كنز فهذا الشخص يجب أن نعرضه على الرقية الشرعية حتى نتأكد من عدم لعب الشيطان برأسه واستدراجه لعمل شنيع يكون وبالا عليه وعلى بقية أفراد أسرته.
فهذه بعض التحذيرات من الوقوع في مثل هذه الزلات وسوف يكون لنا إن شاء الله موعدا آخر نبين فيه العمل المشروع للستخراج الكنوز .