(اهدنا الصراط المستقيم "6" صراط الذين أنعمت عليهـــــم غيــــــــــر المغضوب عليهم ولا الضالين "7")
بعد أن آمنت بالله سبحانه وتعالى إلها وربا .. واستحضرت عطاء الألوهية ونعم الربوبية وفيوضات رحمة الله على خلقه. وأعلنت أنه لا إله إلا الله. وقولك: "إياك نعبد" أي أن العبادة لله تبارك وتعالى لا نشرك به شيئا ولا نعبد إلا إياه .. وأعلنت أنك ستستعين بالله وحده بقولك: "إياك نستعين". فأنك قد أصبحت من عباد الله. ويعلمك الله سبحانه وتعالى الدعاء الذي يتمناه كل مؤمن .. ومادامت من عباد الله، فإن الله جل جلاله سيستجيب لك .. مصداقا لقوله سبحانه:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"}
(سورة البقرة)
والمؤمن لا يطلب الدنيا أبدا .. لماذا؟ .. لأن الحياة الحقيقية للإنسان في الآخرة. فيها الحياة الأبدية والنعيم الذي لا يفارقك ولا تفارقه. فالمؤمن لا يطلب مثلا أن يرزقه الله مالا كثيراً ولا أن يمتلك عمارة مثلا .. لأنه يعلم أن كل هذا وقتي وزائل .. ولكنه يطلب ما ينجيه من النار ويوصله إلي الجنة..
ومن رحمة الله تبارك وتعالى أنه علمنا ما نطلب .. وهذا يستوجب الحمد لله .. وأول ما يطلب المؤمن هو الهداية والصراط المستقيم: "إهدنا الصراط المستقيم".
والهداية نوعان: هداية دلالة وهداية معونة. هداية الدلالة هي للناس جميعا .. وهداية المعونة هي للمؤمنين فقط المتبعين لمنهج الله. والله سبحانه وتعالى هدى كل عباده هداية دلالة أي دلهم على طريق الخير وبينه لهم .. فمن أراد أن يتبع طريق الخير اتبعه .. ومن أراد ألا يتبعه تركه الله لما أراد..
هذه الهداية العامة هي أساس البلاغ عن الله. فقد بين لنا الله تبارك وتعالى في منهجه بافعل ولا تفعل ما يرضيه وما يغضبه .. وأوضح لنا الطريق الذي نتبعه لنهتدي. والطريق الذي لو سلكناه حق علينا غضب الله وسخطه .. ولكن هل كل من بين له الله سبحانه وتعالى طريق الهداية اهتدى؟ .. نقول لا .. واقرأ قوله جل جلاله:
{وأما ثمود فديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون "17" }
(سورة فصلت)
إذن هناك من لا يأخذ طريق الهداية بالاختيار الذي أعطاه الله له .. فلو أن الله سبحانه وتعالى أرادنا جميعا مهديين .. ما استطاع واحد من خلقه أن يخرج على مشيئته. ولكنه جل جلاله خلقنا مختارين لنأتيه عن حب ورغبة بدلا من أن يقهرنا على الطاعة .. وما الذي يحدث للذين اتبعوا طريق الهداية والذين لم يتبعوه وخالفوا مراد اله الشرعي في كونه؟
{الذين اهتدوا زادهم هدى وآياتهم تقواهم "17" }
(سورة محمد)
أي أن كل من يتخذ طريق الهداية يعينه الله عليه .. ويزيده تقوى وحبا في الدين .. أما الذين إذا جاءهم الهدى ابتعدوا عن منهج الله وخالفوه .. فإن الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم ويتركهم في ضلالهم. واقرأ قوله تعالى:
{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين "36" }
(سورة الزخرف)
والله سبحانه وتعالى قد يبين لنا المحرومين من هداية المعونة على الإيمان وهم ثلاثة كما بينهم لنا في القرآن الكريم:
{ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين "107" }
(سورة النحل)
{ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد إيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين "108"}
(سورة المائدة)
{ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين "258" }
(سورة البقرة)
إذن فالمطرودون من هداية الله في المعونة على الإيمان .. هم الكافرون والفاسقون والظالمون .. الحق سبحانه وتعالى يقول: "اهدنا الصراط المستقيم" ما هو الصراط؟ .. إنه الطريق الموصلة إلي الغاية. ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم. لأن الله سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم .. وهو أقصر الطرق إلي تحقيق الغاية .. فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم. ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه .. هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما..
ولا تحسب أن البعد عن الطريق المستقيم يبدأ باعوجاج كبير. بل باعوجاج صغير جدا ولكنه ينتهي إلي بعد كبير.